صوته اللطيف على مداخل المتاريس وابتسامته التي تعتقل القلوب وعمره الغض وأبنوسية ملامحه التي تكمل مشهد الجمال
كان محمد عيسى دودو طفلا يكبر قبل أوانه في وطن شاخ قبل زمانه
سكت فيه الرجال الكبار واغلقوا أعينهم واللص يسرق وطنهم ويعربد كيف شاء ينهب الأموال والثمرات ويقتل الناس ويبيعهم بأبخس الاثمان..
كانوا يصلون في المساجد ويرددوا (لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) كانوا ينتظرون ملائكة تقاتل عنهم وهم خانعين يتفلون التمباك ويرتشفون مرارة قهوة الوجع المستمر.. فهلك الوطن وتعرت جثته لينتهكها عربان الخليج بالدينار والريال ويركلنا المصريون بشاحنات البضائع الفاسدة وكل الأبواب مغلقة الا بمقدار ما يجعلنا ندخل ساجدين.
أكثر من خمسة أشهر عبرت فيها سنوات الهزيمة والخنوع والذل والانكسار
خمسة أشهر ما عاد الأطفال أطفالا ولا الاهازيج أهازيج ولا الأمهات يحكين عن فاطمة السمحة ولكن ظلت الحكايات عن (ود النمير)
اى قسوة تلك التي تجعل شخصا ما يقتل الفاتح؟؟ (هو الفاتح بيقتلوه؟؟) كان الأطفال يرددون (قوة البشير قوة فاسدة .. حركات حركات قوة فاسدة.. جننوا البنات قوة فاسدة .. الله يرحم رحم قوه فاسده ..الله من الدعم قوة فاسدة)
واللاندكروزرات في شوارع الخرطوم تزأر في وحشيتها وعلى ظهورها يلقون بالشابات والشباب كزكائب البضاعة.. البوت الذى يركل الوجوه والسياط التي تقتلع اللحم من الظهور .. الصفعات والبصق والكثير الكثير جدا من التحرش بالصبايا ..
هل كان أنكسار السد وخروج يأجوج ومأجوج أم كان التتار وهولاكو يعودون الى الحياة في نسخة جديدة
هل كان الجنجويد فقط حميدتى ومن معه؟؟ أم كان جهاز الامن وصلاح قوش يحدث الناس عن فتاة الشنطة وبنادقه تصوب للرؤوس والصدور ويتساقط الصغار كالبرتقالات في بري والعباسية والقضارف وعطبرة .. في خشم القربة وكسلا وبربر .. في العبيدية والجزيرة أبا في كريمة ومدنى وأمام بوابات القيادة العامة
شوقى الصادق إسحاق 10 سنوات الجزيرة أبا رصاصة في الرأس
مازن محمد محجوب 10 سنوات القضارف طلقة في البطن فتت الكبد
مهند أحمد محمود القضارف 18 سنه طلق في البطن
محمد عبدالرحمن 14 سنه القضارف طلق نارى في الرأس
محمد الفاتح مصطفى خوجلى 17 سنه امدرمان رصاصة في الصدر
العشرات .. العشرات
رصاصة في الصدر .. رصاصة في الرأس رصاصة في البطن رصاصة رصاصة رصاصة ..قتل قتل قتل ..
مائدة الدم الحرام
والمساجد تصرخ (وان اكل مالك وجلد ظهرك)
قتلوا الناس يا مولانا
الخروج على الحاكم حرام
انتهكوا البيوت يا مولانا
الخروج على الحاكم حرام
تحرشوا بالنساء يا مولانا
الخروج على الحاكم حرام
اغتصبوا الأستاذ يا مولانا
الخروج على الحاكم حرام
سرقوا البلد ودمروا كل شيئ يا مولانا
ومولانا عضو في إدارة بنك أو مجلس شركة أو مديرا لمؤسسة أو عضوا في برلمان وربما أحيانا يكون وزير.
ودودو يقف على بوابات المتاريس يبتسم وهو يقول أرفع يدك فوق
حتى ارتفعت روحه الى مكان لا تسكنه الأكاذيب.
هل الجنجويد جيشا من الهمج أم فكرة في الرؤوس فكرة يحملها مهندسون تخرجوا في جامعة الخرطوم؟؟ وأصبحوا ضباطا كبار في جهاز الامن ضباطا يبيعون شرف الوطن قطعة قطعة ويبيعون انسانيتهم بحزمة بنكنوت ومدماك في شقة وجالون بنزين لعربية فارهة وعطرا فرنسيا لزوجة براقة الملامح.
خمسة أشهر لم تسقط النظام فقط ولكنها اسقطت أجيالا من الخانعين والخاضعين والمنهزمين
أجيالا من العجزى من الذين ركلوا على مؤخراتهم فضحكوا وقالوا هل من مزيد..
خمسة أشهر لم تسقط نظاما للحكم فقط وانما أسقطت جيوش التافهين كل قواد باع الوطن بقلمه ومنبره كل مسئول باعه بمنصبه وسلطته كل قاض ووكيل نيابه باعه بالعدالة التي نحرها جهارا نهارا
كل أستاذ جامعى باع شرف التعليم وقيمة الكلمة والمعرفة بخلية أمنية صغيرة
كل طبيب ومهندس ومحام باع واجبه ليتحول مخبرا وبصاص
خمسة أشهر هبط فيها الملائكة الصغار من أسرتهم وتركوا احلامهم وصمموا ان يجعلوها حقيقة
خمسة أشهر أكدت أن النصر هو ما نفعله نحن لا مايريدوا أن يقنعونا به الا نهوض بعد الهزيمة والا وقوف بعد الانكسار
تغيرت الملامح ... تغيرت الوجوه تغيرت نظرات الاعين وونسات الرفاق
حتى الضحكات تغيرت ...
تغيرت العاب الأطفال.
كبروا قبل أوانهم .. كبروا جدا ونضجوا قبل الميعاد.
خرجوا من شرنقة الفراشات وطاروا للاعلى طاروا نسورا ذات مخالب.
ما كانت خمسة أشهر.. كانت تاريخا ومستقبل..
كانت امانى ريناس وبعانخى.. كان عجيب المانجلك وعلى دينار.. كان فرسان المهدية في شارع القيادة كان عبد الفضيل الماظ يسقط شهيدا على المتاريس
كانوا جميعا يعبرون على دودو وهو يبتسم هاتفا بهم
أرفع يدك فوق التفتيش بذوق
كانوا يرفعوا أيديهم ليفتشهم طفل ..
لا..
هو كان يفتشنا نحن يفتش ضمائرنا .. يفتش رجولتنا يفتش شجاعتنا يفتش عزيمتنا يفتش وطنيتنا
كان يغمض عينيه على جرحه ويقول
قاتلنا عنكم وقتلونا.. قتلونا
فقط قفوا أنتم هذه المرة.. قفوا من أجل وطنكم
فما زالت قوة البشير قوه فاسدة
قفوا
ولا تتركوهم يقتلوننا مرة أخرى